جمعية المصرفيين العرب في لندن تمنح رندة الصادق جائزة الإسهامات المتميزة في القطاع المصرفي العربي للعام 2025   |   شجرة طلال أبوغزاله تجسد رمزًا خالدًا لشراكة تتجدد وجسور تمتد بين الثقافة الصينية العربية.   |   النائب المهندس سالم حسني العمري يشارك في اجتماعات البرلمان الأوروبي ببروكسل   |   سامسونج تكشف عن 《Galaxy Z TriFold》مستقبل الابتكار في عالم الهواتف القابلة للطي   |   الفرصة الأخيرة للطلبة الدوليين: مقاعد محدودة للالتحاق بأكاديمية جورامكو لشهر كانون الثاني 2026   |   منصة زين شريكاً استراتيجياً لبرنامج 《42 إربد》 المتخصص في علوم الحاسوب والبرمجة   |   العميد الركن المتقاعد دريد جميل عبدالكريم مسمار في ذمة الله   |   د. أبو عمارة يشهر كتاب ( عندما يتكلم الجمال )   |   استمرار تسلّم مشاركات 《جوائز فلسطين الثقافية》في دورتها الثالثة عشرة – 2025/2026   |   علي عليان الزبون رئيس ديوان آل عليان/ الزبون/ بني حسن ينضم الى حزب المستقبل   |   مَي و شويّة ملح   |   مجمع الملك الحسين للأعمال يوقع مذكرة تفاهم لبناء وتطبيق نظام حديث لادارة مواقف للسيارات قائم على التكنولوجيا بالشراكة مع شركة فيلادلفيا لمواقف السيارات ممثلة STالهندسية   |   خدمة نقل البلاغات القضائية من البريد الأردني… بسرعة وموثوقية،   |   ورقه سياسات وطنية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد والمخزون في الأردن   |   الدكتور زياد الحجاج: المونديال ليس فرحة عابرة… بل اختبار جاد لجدّية الدولة في حماية أحلام شبابها وتحويل الإنجاز إلى مشروع وطني شامل   |   الحاج توفيق يثمّن فوز الأردن بأربع جوائز عربية للتميّز الحكومي   |   الهيئة العامة لغرفة تجارة عمّان تقرّ التقريرين الإداري والمالي لعام 2024   |   مديرية الأمن العام تحذر من حالة عدم الاستقرار الجوي المتوقعة   |   زين تُعلن رابحة سيارة Jetour T2 Luxury 2025   |   الدكتور وائل عربيات يوجّه رسالة مؤثرة يدعو فيها إلى صون المشروع الهاشمي وحماية الوطن   |  

أما أعدائي فأنا كفيل بهم


أما أعدائي فأنا كفيل بهم
الكاتب - د. نهاد الجنيدي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أما أعدائي فأنا كفيل بهم

خاض.. المركب الاخباري 

القاعة فسيحة، جدرانها مكسوة بالرخام، والوجوه فيها متوترة كأنها تنتظر أمرًا مريبًا يوشك أن يقع. الرخام البارد يلمع تحت الأقدام، والهواء محمّل برائحة الغدر، كأن المكان نفسه يعرف أن النهاية تقترب. وفي وسط القاعة، وقف الرجل الذي أحبّوه يومًا وهابوْه دومًا… يوليوس قيصر.

 

رفع بصره نحو السماء، فرأى الغيوم تتشكل فوقه. في البداية بيضاء، نقية كالنوايا الحسنة. رأى فيها بروتوس يقترب منه يومًا بملامح الصديق الذي لا يتخلى. رأى بيتًا مفتوحًا، وصدرًا رحبًا، وطمأنينة عاش بها مطمئنًا إلى أن الصداقة جدارٌ يصدّ الخيانة.

 

لكن الغيوم تغيّرت. اسودّت شيئًا فشيئًا، ورسمت وجوهًا تقترب من بروتوس، تهمس في أذنه شعارات براقة: “هذا سبيل الإنقاذ… هذا طريق الإصلاح… هذا صوت الدين.” كلمات يكسوها لباس القداسة، لكنها لم تكن سوى غطاء لخيانة غائرة، تغذيها أجندات خارجية تبحث عن ثغرة لتفكيك الإمبراطورية. لقد ارتدى الطمع ثوب الدين، وبدا كالحملان في ظاهره، بينما في عينيه بريق الذئاب.

 

ثم انهمرت الطعنات. أيدٍ كثيرة انغرست في جسده دفعة واحدة، والدم يتناثر على الرخام، يصبغ البياض بأحمر قاتم. ظل يقاوم، يبعد الأيدي، يجرّ قدميه في ثقلٍ يائس، كأن الكبرياء وحده يحمله.

 

حتى وقعت عيناه على بروتوس. ارتجف قلبه بالطمأنينة لا بالخوف: ها هو سندي الأخير… ملاذي بين الخناجر. اقترب منه مترنحًا، مد يده المرتعشة ووضعها على كتف بروتوس كمن يستند إلى جبلٍ من أمان.

 

لكن الجبل انهار، وتحول إلى خنجر. غرس بروتوس سكينه في صدره. وهناك فقط… توقفت مقاومته. أسلم نفسه للموت، وهمس بصوتٍ مثقل بالخذلان: “حتى أنت يا بروتوس؟ إذن فليمت القيصر.”

 

لم تكن الطعنات عطشًا للدم وحده، بل كانت خوفًا من ظلٍّ طال أكثر مما يحتملون. قيصر الذي جمع المجد في ميادين الحرب، وملك قلوب العامة، صار مرآة تكشف صِغَرهم. فارتجف الطامحون على مقاعدهم، وخافوا أن يبتلعهم حضوره، وأن تتحول الجمهورية إلى عرش لا مكان لهم فيه. فراحوا ينسجون خيوط المؤامرة، ويجمّلونها بشعارات براقة: “حماية الشعب… إنقاذ الدولة… منع الاستبداد.” لكن الحقيقة أن ما جمعهم لم يكن حبًّا للجمهورية، بل خوفًا على امتيازاتهم، وحسدًا على أمجاد التفّت حوله ولم تلتفت إليهم.

 

ولم يكن الخنجر واحدًا. فبروتوس، بسذاجةٍ مفرطة ومثاليةٍ عمياء، بدا كمن استُغِلَّ ومُغَيَّب، لا يدرك أين يضع قدميه، ولا أين يضع خنجره. صدّق أن طعنة الصديق يمكن أن تُسمّى تضحية من أجل الوطن. أما كاسيوس، فكان غيورًا طامعًا، دبّر وخطّط، ودفع بروتوس إلى المقدّمة ليكسو المؤامرة بثوبٍ من الطهارة.

 

لم يسقط القيصر لأنه واجه خناجر كثيرة، بل لأنه تأخر في قراءة الوجوه من حوله. كان عليه أن ينتبه إلى بروتوس قبل أن يستحكم دوره في مركز السلطة، وأن يحسم أمره قبل فوات الأوان. فالتردد في مواجهة الخطر الداخلي لم يكن خطأً يخص حياته وحده، بل بابًا فُتح على مصير الإمبراطورية كلها. إن الثقة الزائدة بالخصوم هي التي مهدت الطريق للطعنات. في زمن الأزمات، لا تعني المعارضة ديمقراطية حقيقية، ولا تُختصر الحرية في كلام يتردّد داخل مجالس السلطة والقرار. ولا يبقى أمام الأمة إلا الالتفاف الفوري حول القيادة حتى تعبر برّ الأمان، فالمتربصون لا ينتظرون سوى لحظة الشرخ ليتسللوا منها.

 

لم تسقط الإمبراطورية بجيوش الأعداء، بل بخيانة الصديق. الطعنة من بعيد تُقاوَم، لكن الطعنة من الداخل تُميت الروح قبل الجسد. الذين رفعوا خناجرهم باسم الإنقاذ والإصلاح لم ينقذوا شيئًا؛ لقد فتحوا أبواب الفوضى. حوّلوا الوحدة إلى انقسام، والاستقرار إلى صراع، والثقة إلى خوف. لم يولد من دماء قيصر عهد جديد، بل ضاع الحلم بين أيديهم. واليوم… ما زالت الغيوم في سماء الأمم تعيد نفس المشاهد. وجوه تبتسم لتكسب الثقة، ثم تنقلب خناجر حين تسنح اللحظة. أصوات تنطق بالوفاء، بينما تُضمر الغدر. وكأن التاريخ يكرر لعبته، وكأن السماء لا تنسى. ذئاب في ثياب الحملان… يتزيّنون بلباس الطهر، بينما أنيابهم لا تعرف إلا الخيانة.

 

وهكذا لم تُنقذ الطعنات إمبراطورية، بل مزّقتها باسم الإنقاذ والإصلاح. ويبقى التاريخ شاهدًا، يردد مع كل سقوط:

 

اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم.